فصل: التحليل اللفظي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الصابوني:

{لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ}.
إباحة الأكل من بيوت الأقرباء:

.التحليل اللفظي:

{حَرَجٌ}: قال الزجّاج: الحَرَج في اللغة الضيق، وفي الشرع: الإثم. قال تعالى: {لِكَيْ لاَ يَكُونَ عَلَى المؤمنين حَرَجٌ} [الأحزاب: 37] والمتحرّج: الكافّ عن الإثم، وفي الحديث: «حدّثُوا عن بني إسرائيل ولا حرج» وتحرّج تأثّم، والتحريجُ: التضييق.
قال ابن الأثير: الحرج في الأصل الضّيقُ ويقع على الإثم والحرام، وقيل الحَرَج: أضيق الضيق، ومعنى الحديث لا بأس ولا إثم عليكم أن تحدّثوا عنهم ما سمعتم. وقد ورد الحرج في أحاديث كثيرة وكلها راجعة إلى هذا المعنى.
وفي التنزيل: {يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا} [الأنعام: 125] أي شديد الضيق لا ينشرح لخير.
{مَّفَاتِحهُ}: جمع مِفْتحَ، وأمّا المفاتيح فجمع مفتاح، قال في لسان العرب: والمفتح، بكسر الميم والمفتاح: مفتاح الباب وكل ما فتح به الشيء، قال الجوهري: وكل مستغلق. وفي التنزيل {وَآتَيْنَاهُ مِنَ الكنوز مَآ إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بالعصبة أُوْلِي القوة} [القصص: 76] قيل هي مفاتيح الخزائن التي تفتح بها الأبواب، وقيل: هي الكنوز والخزائن.
قال الأزهري: والأشبه في التفسير أن قوله تعالى: {مَّفَاتِحهُ} خزائن ماله، والله أعلم بما أراد.
{أَشْتَاتًا}: متفرقين جمع شَتّ، والشتات: الفرقة، وتشتّت جمعهم: أي تفرّق جمعهم، قال الطرماح:
شتّ شعبُ الحيّ بعدَ التئامِ ** وشَجَاكَ الرّبْعُ ربعُ المُقَام

قال في لسان العرب: الشَتّ: الافتراق والتفريق، والشّتيتُ المتفرّق، وفي التنزيل {يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ الناس أَشْتَاتًا} [الزلزلة: 6] أي يصدرون متفرقين، منهم من عمل صالحًا، ومنهم من عمل شرًا. وجاء القوم أشتاتًا: متفرقين، واحدهم شَتّ.
ومعنى الآية؛ أي ليس عليكم إثم أو جناح أن تأكلوا مجتمعين أو متفرقين.
{فَسَلِّمُواْ}: من التسليم بمعنى التحية، والمعنى: حيّوا بعضكم بعضًا بتحية الإسلام، وتحية الإسلام السلام عليكم ورحمة الله وفي الحديث: «وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف» والتسليم: مشتق من السّلام اسم الله تعالى، لسلامته من العيب والنقص.
قال في اللسان: السلام والتحية معناهما واحد، وهو السلامة من جميع الآفات، وفي حديث التسليم: «قل السلام عليك، فإن عليك السلام تحيةُ الموتى» وقد جرت به عادتهم في المراثي كانوا يقدّمون ضمير الميت على الدعاء له كقوله:
عليك سلام الله قيسَ بن عاصم

وفي حديث أبي هريرة: «لما خلق الله آدم قال: اذهب فسلّم على أولئك النفر من الملائكة، فاستمع ما يجيبونك فإنها تحيتك وتحية ذريتك فقال: السلام عليكم» الحديث.
{تَحِيَّةً}: قال الزجّاج: هي منصوبة على المصدر كقولك: قعدت جلوسًا، لأن قوله: {فسلّموا} بمعنى فحيّوا، ومعنى الآية: فحيّوا بعضكم بعضًا تحية من عند الله مباركة طيبة. والتحية في اللغة: السلام، قال تعالى: {وَإِذَا جَاءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ الله} [المجادلة: 8]. قال الأزهري: والتحية تَفْعِلة من الحياة، وإنما أدغمت لاجتماع الأمثال. والهاء لازمة لها والتاء زائدة، وروي عن أبي الهيثم أنه قال: التحية في كلام العرب ما يحيّي بعضهم بعضًا إذا تلاقَوْا قال الشاعر:
تحيةُ بَيْنِهِم ضربٌ وَجيعُ

{مباركة}: بالأجر والثواب، والبركة في اللغة أصلها: النماء والزيادة.
{طَيِّبَةً}: حسنة طابت بالدعاء والإيمان أو تطيب نفس المحيّى بها، قال أبو بكر الجصاص: يعني أن السلام تحية من عند اله، لأن الله أمر به، وهي مباركة طيبة، لأنه دعاء بالسلامة، فيبقى أثره ومنفعته، وفيه الدلالة على أن قوله: {وَإِذَا حُيِّيتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَآ أَوْ رُدُّوهَآ} [النساء: 86] قد أريد به السلام.

.المعنى الإجمالي:

يقول الله جلّ ذكره ما معناه: ليس على أهل الأعذار ولا على ذوي العاهات الأعمى، والأعرج، والمريض حرج أن يأكلوا مع الأصحاء، فإن الله تعالى يكره الكِبْر والمتكبرين، ويحب من عباده التواضع. وليس عليكم أيها المؤمنون حرج أن تأكلوا من بيوت أقربائكم أو أصدقائكم، أو البيوت التي توكّلون عليها، وتملكون مفاتيحها في غياب أهلها، ليس عليكم إثم أو حرج أن تأكلوا مجتمعين أو متفرقين، فإذا دخلتم بيوت إخوانكم أو أصدقائكم، فابدءوهم ابالسلام، وسلذموا عليهم بتحية الإسلام، التي هي شعار المؤمنين، تحية من عند الله مباركة طيبة، ذلك شرع الله وحكمه إليكم، لتتأدبوا بآداب الإسلام، وتتمسكوا بتعاليمه الرشيدة، التي فيها سعادتكم وصلاح دينكم ودنياكم، كذلك يبيّن الله لكم طريق الخير والسعادة لعلكم تعقلون الخير والحق في جميع الأمور وتكونون من المؤمنين المتقين.

.سبب النزول:

أولًا: عن ابن عباس رضي الله عنهما: لمّا نزل قوله تعالى: {وَلاَ تأكلوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بالباطل} [البقرة: 188] تحرّج المسلمون عن مؤاكلة المرضى، والزَّمنى، والعُمْي، والعُرْج وقالوا: الطعام أفضل الأموال وقد نهى الله تعالى عن أكل المال بالباطل، والأعمى لا يبصر موضع الطعام الطيّب، والمريض لا يستوفي الطعام بسبب مرضه، والأعرج لا يستطيع المزاحمة على الطعام، فنزلت الآية الكريمة {لَّيْسَ عَلَى الأعمى حَرَجٌ}.
ثانيًا: وعن سعيد بن المسيّب رضي الله عنه أنه قال: إن ناسًا كانوا إذا خرجوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وضعوا مفاتيح بيوتهم عند الأعمى والأعرج والمريض وعند أقاربهم، وكانوا يأمرونهم أن يأكلوا مما في بيوتهم إذا احتاجوا فكانوا يتقون أن يأكلوا منها، ويقولون: نخشى أن لا تكون أنفسهم بذلك طيّبة، فنزلت هذه الآية.
ثالثًا: وروي عن مجاهد في هذه الآية أنه قال: كان رجال زمنى وعميان وعرجان وأولو حاجة، يستتبعهم رجال إلى بيوتهم، فإن لم يجدوا لهم طعامًا ذهبوا بهم إلى بيوت آبائهم وأمهاتهم وبعض من سمّى الله عزّ وجلّ في هذه الآية، فكان أهل الزّمانة يتحرجون من أكل ذلك الطعام، لأنه أطعمهم غير مالكة فنزلت هذه الآية.

.وجوه القراءات:

أولًا- قرأ الجمهور {مَلَكْتُمْ} بالبناء للمعلوم، وقرأ سعيد بن جبير، وأبو العالية {مُلِّكْتُمْ} بضم الميم وتشديد اللام مع كسرها بالبناء للمجهول.
ثانيًا- قرأ الجمور {مَفَاتِحَه} بالجمع، وقرأ أنس بن مالك، وقتادة {مِفْتَاحَه} بكسر الميم على الإفراد، وقرأ بن جبير {مفاتيحه} جمع مفتاح.
ثالثًا- قوله تعالى: {أَوْ صَدِيقِكُمْ} قرئ بكسر الصاد اتباعًا لحركة الدال وقراءة الجمهور بفتح الصاد، ومثلها {أُمّهاتكم} بضم الهمزة وقرأ طلحة {إمّهاتكم} بكسر الهمزة.

.وجوه الإعراب:

أولًا: قوله تعالى: {لَّيْسَ عَلَى الأعمى حَرَجٌ} الآية رفع الله تعالى الحرج عن الأعمى والأعرج والمريض، ولم يذكر في الآية متعلق الحرج فذهب جمهور المفسّري على أن نفي الحرج عن أهل العذر ومن بعدهم في المَطَاعم ويكون معنى الآية ليس عليكم في الأعمى حرج أن تأكلوا معه، ولا في الأعرج حرج، ولا في المريض حرج وتكون {على} بمعنى في ذكره ابن جرير.
وقال الحسن، وعبد الرحمن بن زيد: الحرج المنفي عن أهل العذر هو في القعود عن الجهادفي سبيل الله، وهو مقطوع ممّا قبله، إذ متعلّق الحرجين، مختلف ويكون معنى الآية: ليس على الأعمى، ولا على الأعرج ولا على المريض حرج في تركهم للجهاد وعدم خروجهم مع المجاهدين بسبب أعذارهم، ويكون الكلام قد تمّ هنا، وأنّ ما بعده مستأنف لا تعلّق له به، وهذا ما اختاره أبو حيّان في تفسيره البحر المحيط.
ثانيًا: قوله تعالى: {جَمِيعًا أَوْ أَشْتَاتًا} قال أبو حيّان: انتصب {جميعًا} و{أشتاتًا} على الحال. أي مجتمعين، أو متفرقين.
ثالثًا: قوله تعالى: {تَحِيَّةً مِّنْ عِندِ الله مباركة طَيِّبَةً}.
قال الزجّاج: تحيّة منصوبة على المصدر، لأن قوله: {فسلّموا} بمعنى فحيّوا فتكونمفعولًا مطلقًا.
وقوله: {مباركة طيّبة} صفتان للمصدر {تحيّةً} والجار والمجرور متعلق ب {مباركة} أو بنفس التحية والله أعلم.

.لطائف التفسير:

اللطيفة الأولى: ذكر الله تعالى بيوت الأقارب الآباء، الأمهات، الإخوان، الأخوات، الأعمام، العمات... إلخ ولم يذكر بيوت الأولاد، والسّر في ذلك أن مال الولد مال الأب، وبيته بيته كما ورد «أنت ومالك لأبيك» فلم يذكر اكتفاءً بذكر {بيوتكم} فما يملكه الولد كأنه ملك للأب، لقوة حقّ القرابة وفي الحديث الشريف: «إنَّ أطيبَ ما يأكل الرجل من كسب ولده، وإنَّ ولده من كسبه».
قال أبو حيان: ولم يذكر بيوت الأولاد اكتفاءً بذكر بيوتكم، ومعنى قوله تعالى: {مِن بُيُوتِكُمْ} أي من البيوت التي فيها أزواجكم وعيالكم. والولد أقرب من عدّد من القرابات، فإذا كان سبب الرخصة هو القرابة، كان الذي هو أقرب منهم أولى.
اللطيفة الثانية: قيل لبعضهم من أحبّ إليك أخوك أم صديقك؟ فقال: لا أحبّ أخي إلا إذا كان صديقي.
وقد أكل جماعة من أصحاب الحسن من بيته وهو غائب، فجاء فرآهم فسُرّ بذلك وقال: هكذا وجدناهم، يعني كبراء الصحابة.
وكان الرجل يدخل بيت صديقه، فيأخذ من كيسه، فيعتق جاريته التي مكنته من ذلك.
قال ابن عباس: الصديق أوكد من القرابة، ألا ترى استغاثة الجهنّميّين حيث يقولون: {فَمَا لَنَا مِن شَافِعِينَ وَلاَ صَدِيقٍ حَمِيمٍ} [الشعراء: 100- 101] ولم يستغيثوا بالآباء والأمهات.
اللطيفة الثالثة: اشتهر العرب بالكرم. وكان قوم من الأنصار لا يأكلون إذا نزل بهم ضيف إلاّ مع ضيفهم، وكات قبيلة كنانة يتحرّج الرجل أن يأكل وحده، فربما قدع والطعام بين يديه من الصباح إلى المساء، فإذا لم يجد من يؤاكله اضطر إلى الأكل وحده، وقد قال بعضهم مفتخرًا:
إذا ما صَنَعْتِ الزّاد فالتمسي لهُ ** أكيلًا فإنّي لستُ آكلُهُ وَحْدي

اللطيفة الرابعة: قال الزمخشري: {فإذا دخلتم بيوتًا} فابدأوا بالسلام على أهلها، الذين هم فيها منكم دينًا وقرابة. و{تحية من عند الله} أي ثابتة بأمره ومشروعة من لدنه، أو لأن التسليم والتحية طلب للسلامة، وحياة للمسلّم عليه. ووصفُها بالبركة والطيب لأنها دعوة مؤمن لمؤمن يُرْجى بها من الله زيادة الخير، وطيب الرزق.
اللطيفة الخامسة: قوله تعالى: {بُيُوتًا} التنكير يفيد العموم، أي إذا دخلتم أيّ بيت من البيوت فسلّموا على أنفسكم، قال الفخر الرازي: {فسلّموا على أنفسكم} قال ابن عباس: فإن لم يكن أحد فعلى نفسه ليقل: السلام علينا من قبل ربنا.
وقال ابن جرير الطبري: وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال معناه: فإذا دخلتم بيوتًا من بيوت المسملين، فليسلّم بعضكم على بعض، قال: وإنما قلنا ذلك أولى بالصواب، لأن الله جلّ ثناؤه قال: {فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا} ولم يخصّص من ذلك بيتًا دون بيت، وقال: {فسلّموا على أنفسكم} يعني: بعضكم على بعض، فكان معلومًا إذ لم يخصص ذلك على بعض البيوت دون بعض، أنه معنيّ به جميعها، مساجدها وغير مساجدها.